مدونة مؤسسة RAND

فضح الأكاذيب الروسية بشأن مختبرات التجارب البيولوجية في اجتماعات الأمم المتحدة القادمة

Russian Ambassador Vassily Nebenzia attends Security Council meeting convened at the request of the Russian Federation who accused Ukraine of developing biological weapons under the tutelage of the United States, at U.N. Headquarters in New York, March 11, 2022, photo by Lev Radin/Sipa USA/Reuters

حضور السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا اجتماع مجلس الأمن الذي عقد بناء على طلب الاتحاد الروسي الذي اتهم أوكرانيا بتطوير أسلحة بيولوجية تحت وصاية الولايات المتحدة، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، 11 آذار (مارس) 2022 تصوير ليف رادين / (Sipa) سيبا الولايات المتحدة الأمريكية / رويترز

بقلم جون باراتشيني (John Parachini)

12 أيلول (سبتمبر)

قبل غزو روسيا لأوكرانيا في شباط (فبراير)، شَرَعَت بعثاتها الدبلوماسية في تداول بعض الأكاذيب التي يمكن توصيفها بشكل خاص أنها من وحي الخيال.

ومنها، على سبيل المثال، أن الولايات المتحدة كانت تستخدم المختبرات الأوكرانية لتطوير أسلحة بيولوجية يمكن أن تنشرها طيور مهاجرة مُدَرَّبة تدريبًا خاصًا وخفافيش حاملة للأمراض. وقدَّم المسؤولون العسكريون الروس أيضًا ادعاءات زائفة حول تجارب تُجرى تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية من شأنها تحويل المقاتلين الأوكرانيين إلى "أكثر الوحوش قسوة" وجهود مبذولة لإنتاج ما يسمى بالأسلحة البيولوجية العرقية لاستهداف عرق محدد من سلالة الشعوب السلاڤية مثل العرق الروسي.

لقد أصبح الوضع يستلزم دحض هذه الادعاءات باعتبارها دعاية هزلية للحرب. ورُغم ذلك، تواصل روسيا أيضًا تقديم ادعاءات صادمة مماثلة إلى الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية، وهو الأمر الأكثر خطورة. فهذه الأساليب الملتوية قد تقوِّض اتفاقيات الحدّ من التسلّح الدولية بصورة خطيرة.

يرى المسؤولون الروس أن هذه الافتراءات مفيدة لهم ويجعلوها متداولة كذلك في الأرض الروسية. وهم يتخذون من هذه الادعاءات ذريعة لتبرير عملياتهم العسكرية وحشد المزيد من الدعم المحلي للحرب، رُغم الخسائر المتزايدة للجيش الروسي. حيث يتراوح تقديرات عدد القتلى العسكريين الروس خلال ما يزيد قليلاً عن ستة أشهر بين 25,000 و45,000، وهو ما يعادل 10 أضعاف عدد القتلى من جانب الولايات المتحدة في أفغانستان خلال أكثر من 20 عامًا.

في آذار(مارس)، دعا سفير روسيا لدى الأمم المتحدة إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لبث المزاعم الروسية الكاذبة بشأن المختبرات الأوكرانية التي تُطوِّر أسلحة بيولوجية بدعم من الولايات المتحدة. و تجعل اتهاماتهم الزائفة ترتبط بمختبرات حقيقة؛ تلك التي كانت تجري مراقبة وبائية في جميع أنحاء البلاد، وفي أوروبا الشرقية والقوقاز وتفعل ذلك بشفافية وبالتعاون مع البلدان المجاورة والشركاء الدوليين مثل منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان.

ما لم يذكره السفير هو أن العلماء الروس سبق لهم زيارة نفس هذه المختبرات ولم يلاحظوا أي شيء كما يدعي المسؤولون الروس الآن. علاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة تتعاون مع روسيا بنفس الطريقة؛ حيث قدمت مساعدة مماثلة لروسيا لإعادة تركيز أنشطة مختبرات الأسلحة البيولوجية السوفيتية السابقة، حتى انسحبت روسيا من البرنامج في عام 2014، وهو العام نفسه الذي غَزَت فيه شبه جزيرة القِرم.

بالإضافة إلى ذلك، حتى المصادر الروسية قالت إن الاتهامات المتعلقة بمختبرات الأسلحة البيولوجية باطلة، حيث قامت مجموعة من العلماء الروس المستقلين بمراجعة الوثائق التي زعمت الحكومة الروسية أنها صادرتها وقالت إنها "أثبتت" حالتها المذكورة في خطاب مُعلَن إلى وسائل الإعلام الروسية مفاده أن "الأدلة التي قدمتها وسائل الإعلام كاذبة بشكل واضح. ولا تعني ضمنيًا أي تطوير لأسلحة بيولوجية أو حتى استخدام لمسببات أمراض شديدة الخطورة في المختبرات".

وأخيرًا، قدَّم المندوب السامي لمكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إحاطة إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن عن مزاعم روسيا بشأن المختبرات الأوكرانية قائلاً: "الأمم المتحدة ليست على علم بأي برامج أسلحة بيولوجية".

قام علماء روس بزيارة المعامل الأوكرانية مسبقًا لمناقشة أعمال الأنشطة العلمية والصحة العامة دون ذكر أي شيء زعمه المسؤولون الروس. وتُقدِّم الولايات المتحدة المساعدة بشأن السلامة البيولوجية ومراقبة الأمراض والأمن البيولوجي لأكثر من 30 دولة في أفريقيا وأوروبا الشرقية وجنوب ووسط وجنوب شرق آسيا؛ والشرق الأوسط.

تكشف الولايات المتحدة للدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972 عن نوع المساعدة التي تقدمها للبلدان وفقًا لما تنص عليه المادة العاشرة من الاتفاقية، والتي تدعو إلى "التعاون... مع الدول الأخرى أو المنظمات الدولية لمواصلة تطوير الاكتشافات العلمية في مجال علم الجراثيم (البكتريولوجيا) وتطبيقها للوقاية من الأمراض أو لأغراض سلمية أخرى".

بعد أن فشلت روسيا في حشد الدعم لادعاءاتها الزائفة في مجلس الأمن فشلاً كبيرًا، لجأت إلى محفل دولي آخر. ففي حزيران (يونيو)، فعَّلت روسيا نص المادة الخامسة من اتفاقية الأسلحة البيولوجية داعيةً إلى عقد اجتماع استشاري رسمي لعرض ادعاءاتها مرة أخرى. وهذا أمر غير مألوف للغاية. فالمادة الخامسة لم تُستَخدَم سوى مرة واحدة فقط في عام 1979 من جانب كوبا لإثارة مزاعم حول قيام الولايات المتحدة بنشر حشرات آكلة للمحاصيل. كما أشارت إحدى الروايات التي تم بحثها بدقة إلى أنه: "على الرغم من أن العملية انتهت بفضح المزاعم الكوبية إلى حد كبير، يبدو أن العاصمة الكوبية اكتفت بالتعبير عن مخاوفها ولم تتابع الأمر أكثر من ذلك".

سيُعقَد الاجتماع الاستشاري الرسمي بخصوص المادة الخامسة في جلسة خاصة يحضرها دبلوماسيون من الدول المُوقِّعة على اتفاقية الأسلحة البيولوجية. ولن يكون هناك بث عام للاجتماع. ستقدم روسيا ادعاءاتها وسترد عليها الدول الأخرى. وفي نهاية الإجراء، قد يصدر تقرير نهائي يمكن للبلدان المصادقة عليه أو رفضه.

ما الذي قد يضيفه كل هذا؟ قد يقدم المؤتمر الاستعراضي لمعاهدة حظر الانتشار النووي الذي تم اختتامه مؤخرًا نظرة عامة تمهيدية. في هذه الحالة، رفضت روسيا الموافقة على الوثيقة النهائية لمعاهدة حظر الانتشار النووي لأنها أعربت عن قلقها بشأن الأنشطة العسكرية بالقرب من محطات الطاقة النووية الأوكرانية. ومن المقرر أن تخضع اتفاقية الأسلحة البيولوجية لاستعراضها التاسع الذي يجري مرة كل خمس سنوات في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر). قد تستغل روسيا مرة أخرى هذا المؤتمر الاستعراضي لتعزيز روايتها الكاذبة وعرقلة الإجماع على تدابير أكثر صرامة لثني البلدان عن تطوير أسلحة بيولوجية.

ينطوي استغلال روسيا لهذه المحافل الدولية الحيوية على مخاطر حقيقية. فقد لاحظ باحثان أن: "قرار روسيا بعقد جلسة خاصة لاتفاقية الأسلحة البيولوجية الآن ينطوي على خطر استغلال المعاهدة واستخدامها باعتبارها وسيلة لنشر المعلومات المضلِّلة وإضفاء الشرعية عليها". قد يؤدي منع الإجماع الدولي بشأن تدابير جديدة لحظر تطوير الأسلحة البيولوجية واستخدامها إلى قيام بعض البلدان بتطوير أسلحة بيولوجية لأن العقوبات المفروضة على القيام بذلك غير رادعة ولذلك يعتقدون أنه من الممكن الإفلات من العقوبة.

يمكن للدول المسؤولة أن تمنع روسيا من تقويض النظام الدولي بهذه الطريقة. أصدرت مجموعة من الدول التي تتلقى مساعدات خارجية أمريكية عبر برنامج الحد من التهديد البيولوجي بيانًا مشتركًا ينص على أن المساعدة "مخصصة حصرًا للأغراض السلمية؛ وليس لها علاقة بالأسلحة". ومع ذلك، قد تستمر روسيا في الدعوة إلى إجراء تحقيق على النحو المبين في المادة السادسة من المعاهدة. إذا كان الأمر كذلك، يمكن للأطراف المُطالَبة بمعيار للأدلة المطلوبة أمام المحكمة وعدم السماح بأي ادعاءات لا أساس لها. يمكن للدول المشاركة في هذه المحافل الدولية أيضًا مواجهة المزاعم الروسية وإيضاح وجهات نظرها في أي تقارير نهائية.

ويمكن أن توضح هذه الخطوات للأجيال القادمة أن الدول المنبوذة دوليًا فقط هي التي تدعم جهود روسيا لنشر المعلومات المضلِّلة لتبرير غزوها غير المُبرَّر لأوكرانيا. قد يؤدي السماح لنظام فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) باستخدام هذه الرواية الكاذبة إلى صرف الانتباه عن غزوه المستبد إلى المخاطرة بوضع سابقة قد تتبعها أنظمة مُدلِّسة أخرى.


جون باراتشيني هو أحد كبار الباحثين في الشؤون الدولية والدفاعية بمؤسسة RAND الحيادية غير الربحية وعضو هيئة التدريس في كلية RAND - Pardee للدراسات العليا.

وجهات النظر والآراء الواردة في هذا التعليق هي وجهات نظر وآراء الكاتب وحده.

This post is also available in English