مدونة مؤسسة RAND

كيف يعلمنا خداع روسيا لأوكرانيا في الشأن النووي دروسًا خطيرة

A Ukrainian army officer looks at a destroyed SS-24 missile silo near the town of Pervomaisk, Ukraine, October 30, 2001, photo by Gleb Garanich CVI/CLH//Reuters

ضابط في الجيش الأوكراني ينظر إلى مستودع صواريخ SS-24 المدمر بالقرب من بلدة بيرفومايسك في أوكرانيا، بتاريخ 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2001

صورة التقطها غليب غارانيش (Gleb Garanich) CVI/CLH/ رويترز

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نُقلت الأسلحة النووية التي كانت مُخزنة في دول حلف وارسو، بما فيها أوكرانيا، إلى الأراضي الروسية. حدث ذلك في إطار اتفاق صريح مفاده أن تصبح دول الاتحاد السوفييتي السابق طَوعًا منطقة خالية من الأسلحة النووية مقابل ضمانات أمنية بعدم تهديدها بأسلحة نووية في المستقبل.

في حالة أوكرانيا، كان نقل الوصاية على الأسلحة النووية متوقفًا أيضًا على ضمان احترام كل من روسيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة لسيادة كييف وسلامة أراضيها. كانت سلامة الأراضي من بين شواغل كييف الرئيسية التي أعربت عنها بشكلٍ متكرر في أثناء مفاوضات ما بعد الحرب الباردة وما تلاها. تم الإعلان عن هذه الالتزامات بشكل رسمي في مذكرة بودابست للضمانات الأمنية في عام 1994. التزمت روسيا بصفتها أحد الموقعين بضمان سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.

لقد وفّت أوكرانيا بكل التزاماتها بعدم السعي لامتلاك قدرات نووية، ولكن روسيا خالفت الاتفاق بغزو جارتها الغربية والتهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد من يتدخل فيما يسمى "بالعملية العسكرية الخاصة".

بالإضافة إلى الخسائر البشرية المروعة، ألحقت روسيا ضررًا ببنية معاهدة حظر الانتشار النووي بعدة طرق من خلال إخلالها بالتزامها، وربما تكون قد علّمت دولاً أخرى دروسًا خطيرة فيما يتعلق بالسياسات النووية.

ألحقت روسيا ضررًا ببنية معاهدة حظر الانتشار النووي بعدة طرق من خلال إخلالها بالتزامها، وربما تكون قد علّمت دولاً أخرى دروسًا خطيرة فيما يتعلق بالسياسات النووية.

أولاً، غزت أكبر دولة تمتلك أسلحة نووية الدولة التي تخلت عن امتلاك أسلحة نووية. قد يكون ذلك بمثابة درس عن سبب عدم تخلي البلدان عن تلك القدرات إن كانت تمتلكها. لقد بررت كوريا الشمالية بالفعل تطويرها لأسلحتها النووية بتجربة العراق وليبيا. فقد انهار نظام الحكم في هذين البلدين قبل تحقيق أي مطامح نووية. وبالرغم من الضغط الواقع على نظام حكم كيم، يُنظر لهذه الأسلحة النووية بمثابة سياسات تضمن أن يكون البلد أكثر مقاومة لجهود نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.

ويُمكن التعامل مع الغزو على أنه درس أكثر وضوحًا للدول التي لم يسبق لها امتلاك ترسانات أسلحة نووية وليست محمية بالدرع النووي للقوى العظمى. قد تسعى الآن البلدان التي لم يسبق لها السعي لامتلاك أسلحة نووية إلى الحصول عليها لضمان عدم قيام أي دولة مسلحة بالأسلحة النووية بغزوها. لقد وصلت إيران إلى مرحلة الاختراق النووي، أو الوقت اللازم لتخصيب ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لإنتاج سلاح نووي واحد، وهي خطوة أساسية في الحصول على القدرات النووية. وبالرغم من الضغط الهائل من المجتمع الدولي على إيران من أجل العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي حدت من قدراتها النووية، فإن إيران أكثر إحجامًا عن التخلي عنها. استنادًا إلى التجربة الأوكرانية، قد يتعامل هذا البلد مع وضعه النووي كمسار لتأمين موقعه في الشرق الأوسط.

ثانيًا، تعد هذه واحدة من المرات القليلة في التاريخ التي استخدمت فيها قوة نووية ما يُسمى "بالردع الهجومي"، حيث تستخدم القدرات النووية ليس لردع هجوم العدو على أراضي تلك القوة أو حلفائها، ولكن لدعم غزو دولة ذات سيادة من خلال التهديد باستخدام الأسلحة النووية. تسمح العقيدة النووية الروسية لعام 2020، والتي كانت محل جدل كبير حتى بين الخبراء الروسيين، باستخدام الأسلحة النووية للحيلولة دون تصعيد صراع مسلح، وضمان الوصول إلى شروط في صالح روسيا لإنهاء الصراع. يرسل النظام رسائل غامضة من خلال الرئيس فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) بالإعلان أن الحرب النووية غير مقبولة، وقال وزير الخارجية لافروف (Lavrov) إن روسيا لا تخطط لاستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، لكن يرى المروجون للدولة صراحة وأكثر من مرة أن التصعيد النووي خيار قائم.

ثالثًا، يُمكن لأي دولة تمتلك برنامج أسلحة نووية، وخطة هجومية أن تسترشد بحرب روسيا على أوكرانيا. على الرغم من أن موسكو لم تُظهر تفوقًا عسكريًا متوقعًا في الكثير من المجالات وكانت غير قادرة على تحقيق أهدافها، فقد ذكّرت الغرب مرارًا بإمكاناتها النووية. أظهر الدعم التدريجي والمحدود للبلدان الغربية، وبالأخص في الشهور الأولى من الحرب، أن للأسلحة النووية قوة إرغام قاهرة. يمكن أن تسمح الإمكانات النووية للدولة باستخدام الاعتداء التقليدي لتحافظ على سيطرتها على نطاق نفوذها، في الوقت الذي يُستخدم التهديد بالتصعيد النووي لردع أي تدخل من جهات خارجية. وقد تحاول الصين العثور على سبيل لاستخدام الإكراه النووي والتجربة الروسية بطريقة مماثلة للتعامل مع قضية تايوان.

نشأ عن حرب روسيا على أوكرانيا سابقة خطيرة. تعرضت دولة، كانت قد تخلت عن ترسانتها النووية في مقابل ضمانات أمنية، للهجوم من قوة نووية كانت ضمن الدول الضامنة لأمنها. أصبحت قدرة روسيا على استخدام الإكراه النووي لدعم عدوانها غير المبرر نموذجًا سلبيًا لناشري الأسلحة النووية المحتملين، ما يؤدي إلى تباطؤ الممارسات السابقة لحظر الانتشار النووي إلى حد الجمود. يمكن لحمل روسيا على سحب قواتها من أوكرانيا والتزامها مرة أخرى باحترام سيادة أوكرانيا أن يكون بمثابة سبيل لاستعادة سلامة نظام حظر الانتشار النووي، ومع اعتباره هدفًا بعيد المنال في الوقت الحالي، فإنه هدف حاسم لاستقرار العالم في ما هو أبعد من ما هو خارج حدود أوكرانيا.


بولينا سينوفيتس (Polina Sinovets) هي رئيسة مركز أوديسا لحظر الانتشار النووي في جامعة أوديسا الوطنية باسم إيلي ميتشنيكوف، وتعمل أستاذة مساعدة في قسم العلاقات الدولية، وأستاذة منتسبة في جامعة مالطا.

جون باراتشيني (John Parachini) أحد كبار الباحثين في الشؤون الدولية والدفاعية بمؤسسة RAND الحيادية غير الربحية وعضو هيئة التدريس في كلية RAND - Pardee للدراسات العليا.

خريستينا هولينسكا (Khrystyna Holynska) باحثة مساعدة في السياسات بمؤسسة RAND، وطالبة دكتوراة في كلية RAND - Pardee للدراسات العليا، وأستاذًا زائرًا في كلية كييف للاقتصاد.

This post is also available in English